الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.انتقاض الأشرفية والعزيزية واستيلاء اليرلي على البيرة. كان هؤلاء العزيزية والأشرفية من أعظم جموع هؤلاء الموالي وكان مقدم الأشرفية بهاء الدين بقري ومقدم العزيزية شمس الدين أقوش وكان المظفر قطز قد أقطعه نابلس وغزة وسواحل الشام ولما ولي الظاهر انتقض عليه سنجر الحلي بدمشق وجهز أستاذه علاء الدين البندقداري في العساكر لقتاله وكان الأشرفية والعزيزية بحلب وقد انتقضوا على نائبها السعيد بن لؤلؤ كما مر فتقدم البندقداري باستدعائهم معه إلى دمشق ثم أضاف الظاهر بيسان لليرلي زيادة على ما بيده فسارو ملك دمشق ثم أوعز الظاهر إلى البندقداري بالقبض على العزيزية والأشرفية فلم يتمكن الأمن بقرى مقدم الأشرفية وفارقه الباقون وانتقضوا واستولى شرف الدين اليرلي على البيرة وأقام بها وشن الغارات على التتر شرقي الفرات فنال منهم ثم جهز عساكره إليه مع جمال الدين بامو الحموي فهزمهم وأطلقهم وأقام الظاهر على استمالته بالترغيب والترهيب حتى جنح إلى الطاعة واستأذن في القدوم وسار بكباس الفخري للقائه فلقيه بدمشق سنة إحدى وستين ثم وصل فأوسعه السلطان يدا وعطاء والواصلين معه على مراتبهم واختصه بمراكبته ومشورته وسأله النزول عن البيرة فنزل عنها فقبلها الظاهر وأعاضه عنها والله سبحانه وتعالى أعلم..استيلاء الظاهر على الكرك من يد المغيث وعلى حمص بعد وفاة صاحبها. لما قفل السلطان من الشام سنة ستين كما قدمناه جرد عسكرا إلى الشويك مع بدر الدين أيدمري فملكها وولى عليها بدر الدين بليان الخصي ورجع إلى مصر وكان عند المغيث بالكرك جماعة من الأكراد الذين اجفلوا من شهرزور أمام التتر إلى الشام وكان قد اتخذهم جندا لعسكرته فسرحهم للإغارة على الشويك ونواحيه فاعتزم السلطان على الحركة إلى الكرك مخافة المغيث وبعث بالطاعة واستأمن الأكراد فقبلهم الظاهر وأمن الأكراد فوصلوا إليه ثم سار سنة إحدى وستين إلى الكرك واستخلف على مصر سنجر الحلي واستخلف على غزة فلقي هنالك أم المغيث تستعطفه وتستأمن منه لحضور ابنها فأجابها وسار إلى بيسان فسار المغيث للقائه فلما وصل قبض عليه وبعثه من حينه إلى القاهرة مع أقسنقر الفارقاني وقتل بعد ذلك بمصر وولي على الكرك عز الدين أيدمر وأرسل نور الدين بيسري الشمسي ليؤمن أهل الكرك ويرتب الأمور بها وأقام بالطور في انتظاره فأبلغ بيسري القصد من ذلك ورجع إليه فإرتحل إلى القدس وأمر بعمارة مسجده ورجع إلى مصر وبلغه وفاة صاحب حمص موسى الأشرف ابن إبراهيم المنصور شيركوه المجاهد بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه وكانت وراثة له من آبائه أقطعه نور الدين العادل لجده أسد الدين ولم تزل في أيديهم وأخذها الناصر يوسف صاحب حلب سنة ست وأربعين وعوضه عنها تل باشر وأعادها عليه هلاكو وأقره الظاهر توفي سنة إحدى وستين وصارت للظاهر وانقرض منها ملك بني أيوب والله سبحانه وتعالى أعلم..هزيمة التتر على البيرة وفتح قيسارية وارسوف بعدها. ثم رجعت عساكر التتر إلى البيرة مع ردمانة من أمراء المغل سنة ثلاث وستين فحاصروها ونصبوا عليها المجانيق فجهز السلطان العساكر مع لوغان من أمراء الترك فساروا في ربيع من السنة وسار السلطان في أثرهم وانتهى إلى غزة ولما وصلت العساكر إلى البيرة وأشرفوا عليها والعدو يحاصرها أجفلت عساكر التتر وساروا منهزمين وخلفوا سوادهم وأثقالهم فنهبتها العساكر وارتحل السلطان من غزة وقصد قيسارية وهي للإفرنج فنزل عليها عاشر جمادي من السنة فنصب المجانيق ودعا أهلها للحرب واقتحمها عليهم فهربوا إلى القلعة فحاصرها خمسا وملكها عنوة وفر الافرنج منها ثم رحل في خف من العساكر إلى عملها فشن عليها الغارة وسرح عسكرا إلى حيفا فملكها عنوة وخربوها وقلعتها في يوم أو بعض يوم ثم ارتحل إلى ارسوف فنازلها مستهل جمادي الأخيرة فحاصرها وفتحها عنوة وأسر الافرنج الذين بها وبعث بهم إلى الكرك وقسم أسوارها على الأمراء فرموها وعمد إلى ما ملك في هذه الغزاة من القرى والضياع والأرضين فقسمها على الأمراء الذين كانوا معه وكانوا اثنين وخمسين وكتب لهم بذلك وقفل إلى مصر وبلغه الخبر بوفاة هلاكو ملك التتر في ربيع من السنة وولاية ابنه ابغا مكانه وما وقع بينه وبين بركة صاحب الشمال من الفتنة ولأول دخوله لمصر قبض على شمس الدين سنقر الرومي وحبسه وكانت الفتنة قبل غزاته بين عيسى بن مهنا ولحق زامل بعد ذلك بهلاكو ثم استأمن إلى الظاهر فامنه وعاد إلى إحيائه والله تعالى أعلم.
|